حرب الاستنزاف: المقاومة تُثبّت الصمود والعدو يواجه استحقاق وقف إطلاق النار
في ظل الصراع القائم، يظهر أن العدو الإسرائيلي قد وصل إلى أقصى ما يمكنه الوصول إليه على مستوى الإنجازات العسكرية والتكتيكية، وأنه بات يدرك أن استمرار الحرب لفترة أطول سيعني زيادة الخسائر على حساب المكاسب التي يحاول تحقيقها أو التي يتصوّر أن الداخل الإسرائيلي يعتبرها إنجازات. إن كل يوم إضافي من القتال يشكل عبئاً إضافياً على كاهل القيادة الإسرائيلية؛ حيث تزداد الخسائر الميدانية، وتتفاقم التوترات الداخلية، وينعكس ذلك سلبًا على صورة الجيش وأداء الحكومة أمام الجمهور.
يشهد الداخل الإسرائيلي حالة من الانقسام حول ما إذا كانت الحرب قد حققت فعلاً أهدافها أم لا. فبينما يرى بعض الساسة وجزء من الرأي العام أن العمليات العسكرية قد أسفرت عن نتائج إيجابية، تزداد الشكوك حول ديمومة هذه الإنجازات وقدرتها على توفير الأمان والاستقرار. فكل يوم تتجدد فيه المعارك، يتزايد التهديد الأمني للمدن والمستوطنات في الداخل، ويرتفع عدد الإصابات والخسائر البشرية والمادية، ما يزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الإسرائيليون.
ويبدو أن هناك إدراكاً متزايداً لدى القيادة الإسرائيلية بأن الوصول إلى وقف إطلاق النار بات ضرورة ملحّة، وأن استمرار الحرب لم يعد يخدم مصالحها، بل قد يؤدي إلى تراجع في رصيدها على مستوى الربح والخسارة.
هذا وتتجلى في هذه الحرب قدرة المقاومة اللبنانية، وعلى وجه التحديد حزب الله، في تقديم نموذج فريد من نوعه على الصعيدين العسكري والتنظيمي. فعلى الرغم من التحديات الهائلة التي واجهها، ومنها فقدان القائد الأعلى للقوات المسلحة، سماحة الأمين العام الشهيد، إلى جانب قيادات في الصفين الأول والثاني وفي وحدات حساسة، استطاع الحزب أن يتجاوز الصدمات بشكل لافت. وتمكنت المقاومة من ترميم قدراتها وتطوير استراتيجياتها بوقت قياسي، رغم كثافة النيران الهائلة وحجم التدمير غير المسبوق الذي تعرضت له البلدات والمدن من قبل العدو.
لقد أظهرت هذه التجربة كيف أن المقاومة استطاعت، تحت ضغط الاستهداف المباشر، إدارة المعركة بفاعلية، والحفاظ على بنية قيادية قوية لا بل الاستمرار بتنفيذ الخطة المرسومة وبشكل تصاعدي لناحية حجم ونوعية وطبيعة الاستهداف والذخائر والصواريخ المستخدمة، مما عزز من ثقة جمهورها وأثبت قدرتها على الصمود والتكيف مع الظروف المعقدة. إن ما حققته المقاومة من صمود ومرونة في هذه الظروف العصيبة يمثل رسالة واضحة بأنها تتمتع بقدرة على البقاء والاستمرار مهما بلغت شدة المواجهة وبأن هذا الكيان المحتل ما كان ليبقى لولا كل الدعم من الدول التي تمده بالسلاح والمعلومات والمؤازرة والمال.
ومع استمرار الحرب، يدرك العدو الإسرائيلي أن كل يوم يمر، يزيد من تحويل المشهد لصالح المقاومة، حيث يتآكل الرصيد الذي يسعى لتقديمه للداخل المحتل كإنجاز. ويبدو أن الوقت ليس في صالحه، إذ تتصاعد الخسائر، وتتزايد التوترات الداخلية، مما يجعل إنهاء الحرب أكثر إلحاحاً بالنسبة له، حتى وإن لم يُحقّق أهدافه الأساسية بالشكل الذي يطمح إليه.
وإن كانت تصريحات العدو الإعلامية مغايرة لما يضمره ويرغب به ، والأكيد بأن المقاومة قد آلمته بشدة، وهو يخفي حجم خسائره والمقاومة لا زالت تخبئ الكثير من المفاجآت في جعبتها، وبالرغم من كل الجراح ستتكسر أحلام العدو عند أقدام مجاهدي المقاومة، والأرض الطاهرة في الجنوب ستبقى لأحرار جبل عامل . وما عودة أهل الأرض إلا صبرٌ يليه فرجٌ وعزة وكرامة وإباء.
رئـيس مجموعـة البـازوريـة الاعـلامـيـة الدكتور مـهـدي عبد الكريم قـرعوني