وطنية - كتبت صحيفة "الجمهورية " تقول : في انتظار إصدار صندوق النقد الدولي تقريره متضمّناً إجاباته على ‏المشورة التي طلبها لبنان منه، تستمرّ الأزمة الإقتصادية والمالية ‏جاثمة على صدور اللبنانيين الذين ينتظرون بصيص أمل للخروج ممّا ‏باتوا فيه من ضيق معيشيّ يتخوّفون من تفاقمه في قابل الأسابيع ‏والأشهر في حال لم تنجح الحكومة في توفير المعالجات اللازمة له. ‏وقد جاء فيروس "كورونا" ليزيد إلى همومهم قلقاً وأخطاراً تهدد ‏صحتهم، ما استدعى استنفاراً طبيّاً وإدارياً وأمنياً على كلّ المستويات ‏وفي كل المنافذ الحدودية لمنع انتشار هذا الوباء على الأراضي ‏اللبنانية، حيث لم تسجّل إلّا إصابة وحيدة فيه، فيما اتّخذت كلّ ‏الاحتياطات لمعالجة أي حالات جديدة في حال ظهورها.‏

فيما أكدت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" ما نشر أمس حول تقديم ‏وفد صندوق النقد الدولي تَصوّره النهائي بعد غد الجمعة او السبت ‏المقبل على أبعد تقدير، عُلِم انّ مَن بقوا من أعضاء الوفد في بيروت ‏أرجأوا سفرهم امس ومَدّدوا إقامتهم في بيروت لأيام، الى حين صدور ‏التقرير النهائي. ولم تكشف المصادر عن الغاية من هذه الخطوة او ‏برنامج هؤلاء في الأيام المقبلة.‏
‏ ‏
الجدولة والهيكلة
وملاقاة لِما يمكن صندوق النقد ان يقترحه لمعالجة الازمة الاقتصادية ‏والمالية في ضوء ما سمعه وفده من المسؤولين المعنيين، حسمت ‏الحكومة موضوع اعتماد مستشارين دوليين في القانون والشؤون ‏المالية، من أجل بدء مفاوضات في شأن جدولة الدين العام وهيكلته، ‏واختارت كلّاً من شركة إدارة الأصول "لازارد" (‏Lazard‏) كمستشار مالي ‏ومكتب المحاماة "كليري غوتليب ستين آند هاملتون" (‏Cleary ‎Gottlieb Steen‏ & ‏Hamilton‏) كمستشار قانوني.‏
‏ ‏
وفي السياق، تساءل مصدر متابع عن الخيارات التي لا تزال متاحة ‏امام الحكومة اللبنانية، قبل ايام من حلول موعد استحقاق يوروبوند ‏في آذار. كما أنّ فوائد هذا الإصدار تستحق في خلال هذا الاسبوع، ‏وتداعيات عدم الدفع من دون الاتفاق مع المُقرضين هي مثل تداعيات ‏الامتناع عن دفع أصل القرض.‏
‏ ‏
وأوضح المصدر نفسه لـ"الجمهورية"، انّ التداعيات تشمل عزل لبنان ‏مالياً عن الاسواق العالمية كليّاً، بالإضافة الى خفض تصنيفه فوراً الى ‏درجة التخلّف (‏Default‏). وبالتالي، إعتبر المصدر انّ الحكومة تأخّرت ‏في حسم خياراتها، وما تفعله اليوم لجهة اختيار الاستشاريين وبدء ‏التفاوض كان ينبغي ان يحصل قبل شهرين على الاقل، لتحاشي ‏التداعيات الخطيرة المتوقعة.‏
‏ ‏
وقد شرحت وزيرة العدل ماري كلود نجم، خلال جلسة مجلس الوزراء ‏أمس، انّ اختيار هاتين الشركتين "أتى بعد عمل دؤوب دام 3 أيام من ‏قبل اللجنة الوزارية المختصّة، شَمل التفاوض والتدقيق وملائمة ‏القدرة على القيام بما هو مطلوب لبنانيّاً وسمعتهما عالمياً".‏
‏ ‏
وعلمت "الجمهورية" انّ إجمالي الكلفة المادية للتعاقد مع هذين ‏الاستشاريين لا يتعدى الـ3 ملايين دولار، وهو مبلغ قابل للخفض في ‏مفاوضات اضافية تجريها اللجنة معهما لتحديد الكلفة النهائية لبدء ‏العمل فوراً صباح اليوم.‏
‏ ‏
بصيص نور
وفي عتمة الوضعين المالي والاقتصادي، برز أمس بصيص نور، تمثّل ‏في وصول سفينة الحفر ‏Tungsten Explorer‏ إلى المنطقة الاقتصاديّة ‏الخالصة في لبنان للقيام بأعمال الحفر لأوّل بئر استكشافيّة في ‏البلوك الرقم 4 الواقع قبالة الشاطئ اللبنانيّ على بعد نحو 30 كلم ‏من بيروت.‏
‏ ‏
وسيتمّ حفر البئر الاستكشافيّة على عمق 1500 متر من سطح البحر. ‏كما تهدف إلى استكشاف مكامن تقع على عمق يتخطّى 2500 متر ‏تحت قعر البحر. ويقدّر أن تستمرّ أعمال الحفر لمدّة شهريْن، وبعدها ‏ستغادر سفينة الحفر لبنان.‏
‏ ‏
وأكد رئيس هيئة إدارة قطاع البترول وليد نصر، أنّ "عملية الحفر ‏ستستغرق بين 55 و60 يوماً. وسيُصار بعدها الى تحليل نتائج الحفر ‏لمدة شهرين، ووفق النتيجة هناك احتمالان: إمّا بئر جافة أي لا غاز ‏فيها ولا نفط، وإمّا كميات من هاتين المادتين، وعندها قد تحتاج شركة ‏‏"توتال" الى حفر آبار إضافية للتمكن من تحديد الكميات ولمعرفة ما ‏إذا كانت تجارية أم لا".‏
‏ ‏
وأضاف: "إذا تبيّن توافر كميات تجارية، عندها سندخل في مرحلة ‏التحضيرات والتخطيط لمرحلة الانتاج التي تستوجب حفر آبار اضافية ‏وبناء البنى التحتية اللازمة لبدء عملية الاستخراج".‏
‏ ‏
رسائل قوية
من جهة أخرى وللمرة الثانية تحوّل مجلس الوزراء أمس منبراً لتوجيه ‏رسائل سياسية قوية تولّاها رئيس الحكومة حسان دياب ضد جهات ‏سياسية وصفها بـ"الأوركسترا" التي تعمل ضد مصلحة البلد، وتحرّض ‏على الحكومة لدى الدول الشقيقة لمنعها من مساعدة لبنان ماليّاً".‏
‏ ‏
واذا كان دياب لم يُسمّ هذه الجهات وأبقاها مجهولة، فإنّ معظم ‏المؤشرات دَلّت الى انه يقصد الرئيس سعد الحريري وبعض حلفائه.‏
‏ ‏
وعلمت "الجمهورية" انه بعد مداخلة رئيس الجمهورية العماد ميشال ‏عون في مستهل الجلسة، والتي بَشّر فيها بموعد الحفر للتنقيب عن ‏النفط والغاز في البلوك الرقم 4 في البحر، أخرج دياب ورقة مكتوبة ‏ومطبوعة وقرأها امام مجلس الوزراء بلا حِس أو خبر للوزراء الذين ‏استمعوا إليه بدقة.‏
‏ ‏
ثم اعطى الكلام لوزير الصحة حمد حسن ليشرح طويلاً الاجراءات التي ‏تتخذها وزارة الصحة والادارات المعنية في شأن الوقاية من فيروس ‏‏"كورونا". وعرض لتقارير حول المنتجعات التي يتم تحضيرها وتجهيزها ‏من أندية كشفية ومدارس وغيرها لاستقبال الحالات المشكوك بأمرها ‏للحجر عليها، والقيام بما يلزم مدة 14 يوماً. وقد تم تكليف وزير ‏الداخلية محمد فهمي التواصل مع البلديات لتتبّع الحالات المعرضة، ‏وخصوصاً ركاب الطائرة الايرانية، بناء على لوائح زوّدت بها البلديات ‏من الامن العام والمحافظات بالاسماء والعناوين مدة 14 يوماً.‏
‏ ‏
ثم تحدث وزير التربية طارق المجذوب عن الاجراءات المتخذة في ‏المدارس وخصوصاً حملات التوعية، وقال: "لا داعي لاتخاذ قرار ‏بالاقفال ولا داعي للقلق استناداً الى حالة واحدة، واذا كان قرار الاقفال ‏سيتخذ في حالة واحدة فماذا تركنا اذا تم اكتشاف حالات اكثر؟". ‏واضاف: "انّ تدابير أخرى ستتخذ في حال تطور الوضع، فلبنان ليس ‏بلداً موبوءاً، بحسب منظمة الصحة العالمية". وطلب رئيس الحكومة ‏من وزير المال تأمين كل الاعتمادات اللازمة لعمليات الاغاثة، وكل ‏الاجراءات التي يترتب عليها نفقات.‏
‏ ‏
جلسة لآلية التعيينات
وعند الأولى والنصف من بعد ظهر بعد غد الجمعة، سينعقد مجلس ‏الوزراء في جلسة ثانية بجدول أعمال عادي إيذاناً ببدء عقد الجلسات ‏المقررة مرتين كل اسبوع، الاولى تخصّص للبحث في ملف محدد ‏مثلما جرى أمس في ملف "كورونا"، والثانية تخصص للقضايا ‏الإجرائية وفق جدول اعمال متنوع، ومن بين ما ستتناوله الجلسة ‏المقبلة الآلية الجديدة للتعيينات الإدراية، التي ستكون بعيدة عن ‏المنطق الذي ساد في الحكومات السابقة.‏
‏ ‏
‏"المستقبل"‏
وفي الموقف ردّت كتلة "المستقبل" النيابية أمس على كلام رئيس ‏الحكومة حسّان دياب، في بيانها الصادر إثر اجتماعها الأسبوعي ‏برئاسة النائب بهية الحريري في "بيت الوسط"، وأدرجت كلام دياب ‏عن البدء بمعالجة تراكمات 30 سنة من السياسات الخاطئة "في إطار ‏الحملات التي تستهدف الرئيس الشهيد رفيق الحريري والسياسات ‏الحريرية التي انتشلت لبنان من حال الدمار الذي تسبّبت به الحرب، ‏وسياسات المماطلة والتعطيل التي تناوَبت عليها حكومات وعهود ‏وأحزاب لا تخفى عن اللبنانيين الشرفاء"، ورأت أنّه "كان حَريّاً برئاسة ‏الحكومة أن تنأى بنفسها عن تلك الحملات المكشوفة الأهداف".‏
‏ ‏
حتي يلتقي لودريان
وفي أول اطلالة خارجية له يغادر وزير الخارجية ناصيف حتي غداً ‏الخميس الى باريس، للقاء نظيره الفرنسي جان لوي لودريان الرابعة ‏والنصف بعد ظهر بعد غد الجمعة في "الكي دورسيه". وعلمت ‏‏"الجمهورية" انّ جدول أعمال اللقاء يتضمن سلسلة عناوين اساسية ‏أبرزها:‏
‏- العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية في ضوء المتغيّرات التي تلت تشكيل ‏الحكومة الجديدة وما يمكن القيام به لتطويرها، ودور فرنسا والاتحاد ‏الأوروبي في مواجهة ما يحتاجه لبنان لتجاوز الأزمة التي يمر بها.‏
‏- مصير مقررات "سيدر 1" في ضوء ما رافَق زيارة وفد صندوق النقد ‏الدولي للبنان والربط القائم بين معظم المقترحات المتوقعة كمخرج ‏للأزمة، والتي تتلاقى وجزء منها مع الآليات التي أقرّها مؤتمر "سيدر"، ‏ولاسيما لجهة مراقبة عملية تنفيذ القروض الممنوحة للبنان وكذلك ‏مراقبة طريقة صرفها.‏
‏- التطورات الجارية في المنطقة، والجديد على مستوى التحديات ‏الإقتصادية التي يواجهها لبنان على أكثر من مستوى، وخصوصاً ملف ‏النازحين السوريين وتأثيراته على وجوه الحياة اللبنانية المختلفة.‏
‏ ‏
لقاء محتمل مع دوكان
وعلى هامش الزيارة، قالت مصادر دبلوماسية لـ"الجمهورية" انّ حتّي ‏سيلتقي السفير بيار دوكان مبعوث الرئيس ايمانويل ماكرون المكلّف ‏متابعة ملف "سيدر"، الذي أرجأ زيارة كانت مقررة له الى لبنان بعد ‏اندلاع ثورة 17 تشرين الأول واستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري ‏في 29 منه، ولم يدفع تشكيل الحكومة الجديدة ولا مهمة وفد صندوق ‏النقد الدولي الى تحديد موعد جديد لهذه الزيارة.‏
‏ ‏
‏.. وفهمي الى تونس
وفي اول اطلالة له ايضاً خارج لبنان، يتوجّه وزير الداخلية والبلديات ‏العميد محمد فهمي الى تونس نهاية الأسبوع الجاري للمشاركة في ‏الاجتماع السنوي لمجلس وزراء الداخلية العرب الذي سيناقش بنوداً ‏عدة مُدرجة على جدول أعماله، تهدف الى تعزيز سبل تبادل ‏المعلومات بين الدول العربية والبَت بسلسلة من اقتراحات تتناول ‏وجوه التعاون الأمني في ما بينها.‏
‏ ‏
وقبل أن يغادر بيروت، أنهت وزارة الداخلية الترتيبات للقاءات سيعقدها ‏فهمي على هامش أعمال المؤتمر مع نظيريه الاماراتي نائب رئيس ‏مجلس الوزراء ووزير الداخلية الفريق سيف بن زايد بن سلطان آل ‏نهيان، والمصري اللواء محمود توفيق، حيث ينتظر أن يبحث معهما ‏في العلاقات بين البلدين، وما يربط لبنان بهما من تفاهمات ‏ومساعدات أمنية تقررت في أوقات سابقة.‏