من الأدوات الهامّة في الحروب النفسية والمعلوماتية استخدام التغذية الراجعة لجمع المعلومات وتقييم الخطط والقرارات، والاحتلال الإسرائيلي يستخدم هذه الأساليب بشكل قويّ وفعّال.
في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت المعلومات أحد أخطر الأسلحة التي يمكن استخدامها في النزاعات والصراعات. الحرب النفسية والمعلوماتية هي أدوات متقدّمة تعتمدها بعض الدول والجماعات للتأثير على الرأي العام والتلاعب بالعقول. ومن بين هذه الأدوات استخدام ما يُعرف بـ"التغذية الراجعة" كجزء من استراتيجية لجمع المعلومات الحساسة. يعدّ الاحتلال الإسرائيلي من أبرز الجهات التي تعتمد هذه الاستراتيجية بشكل ممنهج، مستغلاً قوة الاتصالات والمعلومات لديه، في محاولة لتحقيق أهدافه العسكرية والأمنية.
"التغذية الراجعة" في سياق الحروب النفسية والمعلوماتية تشير إلى عملية مراقبة وتحليل ردود فعل الناس على المعلومات التي تُنشر بشكل متعمّد. الاحتلال وأذرعه الخفية يقومون بنشر معلومات مغلوطة أو جزئية، قد تحتوي على بعض الحقيقة، بهدف إثارة نقاشات أو ردود أفعال بين الناس. هذه الردود، سواء كانت عبر الاتصالات الهاتفية، المحادثات اليومية، أو المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، تُستخدم من قبل الاحتلال كمصدر لجمع معلومات دقيقة عن مواقع حسّاسة أو نشاطات معيّنة.
1. نشر المعلومات المضللة: يقوم الاحتلال الإسرائيلي بنشر معلومات مضللة أو غير كاملة عبر وسائل إعلام مختلفة أو حتى عبر الإنترنت. هذه المعلومات قد تكون شائعات عن تحرّكات عسكرية أو حول خطط أو أهداف محتملة.
2. مراقبة ردود الأفعال: بعد نشر المعلومات، ينتظر الاحتلال ردود الأفعال من الناس. قد تكون هذه الردود على شكل محادثات عفوية بين الأفراد، أو من خلال تعليقات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. يقوم الاحتلال بمراقبة هذه التفاعلات بدقة، محاولاً جمع أكبر قدر من المعلومات التي يمكن أن تساعده في تحقيق أهدافه.
3. تحليل المعلومات: يتمّ تحليل المعلومات التي تمّ جمعها من التغذية الراجعة. هذا التحليل يشمل محاولة فهم الحقائق المخفية التي قد تكشفها ردود الأفعال. على سبيل المثال، إذا كانت هناك شائعة عن نشاط عسكري في منطقة معيّنة، قد تؤكد أو تنفي ردود أفعال الناس صحة هذه الشائعة، مما يساعد الاحتلال على تحديد مواقع محددة أو معلومات حسّاسة أخرى.
4. استخدام المعلومات: بعد جمع وتحليل المعلومات، يستخدم الاحتلال هذه البيانات لاتخاذ قرارات استراتيجية. قد تشمل هذه القرارات شنّ هجمات، أو تغيير الخطط العسكرية بناءً على المعلومات الجديدة التي تمّ جمعها.
المعلومات المغلوطة أو الجزئية تؤدي دوراً حيوياً في هذه الاستراتيجية. فالأخبار التي تتضمّن بعض الحقائق، حتى لو كانت قليلة، تكون أكثر قابلية للتصديق والتفاعل من قبل الجمهور. وعندما تترافق هذه الحقائق مع تفاصيل غير صحيحة أو مشوّهة، يبدأ الناس بمحاولة تفسير ما يحدث، وتبادل المعلومات بينهم، وتقديم رؤى قد تكون مفيدة للاحتلال.
على سبيل المثال، قد ينشر الاحتلال معلومات حول تحرّك عسكري في منطقة معيّنة، ويكتفي بذكر بعض التفاصيل الغامضة. عندها، يبدأ الناس في تلك المنطقة أو القريبون منها بالتحدّث عن هذا التحرّك بناءً على ما شاهدوه أو سمعوه. وفي محاولة لفهم الموقف، قد يقومون بتبادل معلومات إضافية مثل عدد المركبات، نوعها، أو حتى الاتجاه الذي كانت تتحرّك نحوه.
الحديث العفوي: في كثير من الأحيان، قد يتحدّث الناس عن معلومات حسّاسة بشكل عفوي من دون أن يدركوا أن الاحتلال يتنصّت على محادثاتهم. قد يقول أحدهم: "رأيت شاحنة عسكرية تدخل إلى البلدة المجاورة بالأمس". هذه العبارة البسيطة قد توفّر للاحتلال معلومات قيّمة حول تحرّكات عسكرية في المنطقة.
وسائل التواصل الاجتماعي: ينشط العديد من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي حيث يتحدّثون عن الشائعات أو الأحداث الجارية. الاحتلال يراقب هذه المنصات بشكل منتظم لجمع معلومات يمكن أن تُستخدم في عملياته.
بعد نشر المعلومات، يُترك الأمر للناس للتفاعل معها. هنا يأتي دور المراقبة. الاحتلال يبدأ في جمع وتحليل ردود الأفعال التي تأتي من مختلف المصادر وهي:
- الاتصالات الهاتفية: قد تكون المكالمات الهاتفية الخاصة بين الأفراد مصدراً غنياً بالمعلومات. يتحدّث الناس بحرية بين أصدقائهم أو أفراد عائلاتهم عن الأمور التي تحدث من حولهم، وغالباً ما يشاركون تفاصيل قد تكون غائبة عن وسائل الإعلام.
- المحادثات اليومية: النقاشات اليومية في الأماكن العامة، مثل المقاهي أو وسائل النقل، يمكن أن تكشف الكثير. يستمع الاحتلال إلى هذه المحادثات بشكل مباشر أو من خلال تقنيات التنصّت لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات.
- المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي: هذه المنصات أصبحت منجماً ذهبياً لجمع المعلومات. ينشر الناس آراءهم وملاحظاتهم بشكل مفتوح على هذه الوسائل، مما يسمح للاحتلال بمراقبة التفاعل بشكل فوري وجمع المعلومات بشكل دقيق.
الاحتلال الإسرائيلي، كغيره من الجهات التي تعتمد الحروب النفسية والمعلوماتية، يستغل كلّ كلمة وكلّ عبارة يمكن أن تكشف له عن معلومات قيّمة. من خلال المشاركة في نقاشات غير مدروسة أو الحديث عن أمور تبدو غير ضارة، يمكن للفرد أن يصبح شريكاً غير مباشر في دعم مخططات الأعداء. الحذر من هذه الأساليب والوعي بمدى خطورتها هو السبيل الوحيد لتجنّب الوقوع في هذا الفخ.
تجنّب نشر أو مناقشة أيّ معلومات غير مؤكّدة. إذا لم تكن واثقاً من صحة المعلومات، فمن الأفضل عدم التحدّث عنها علناً.
كن واعياً بالمخاطر المرتبطة بالتحدّث عن أمور حسّاسة في الأماكن العامة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تأكّد من أن ما تشاركه لا يمكن أن يُستخدم ضدك أو ضد مجتمعك.
إذا كنت تمتلك معلومات حسّاسة، فمن الأفضل إبلاغ الجهات الأمنية المختصة في بلدك بدلاً من مناقشتها علناً.
في خضمّ الصراعات الحديثة، أصبحت الحرب النفسية والمعلوماتية من أخطر الأسلحة التي يمكن استخدامها ضد الشعوب. الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على استراتيجيات متقدّمة لجمع المعلومات الحساسة من خلال مراقبة ردود أفعال الناس على المعلومات المضللة التي ينشرها. لذلك، من الضروري أن يكون الجميع على وعي بهذه الأساليب وأن يتجنّبوا الوقوع في فخ التغذية الراجعة، حتى لا يصبحوا شركاء غير مباشرين في دعم مخططاته.
قاسم دنش
77 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع