تهجير بعلبك وإفراغها لا مثيل لهما على طول العقود الماضية، فالهمجية الإسرائيلية لم تستثن حتى قلعة بعلبك ومداخلها لجهة إيعات وثكنة غورو التي كان قد لجأ إليها بعض النازحين من المنازل، ولكن عادوا وتركوها بعد الاستهداف الإسرائيلي لمدخل القلعة.
لم يخرج محمد شحادة من منزله في حي الشيخ حبيب في بعلبك إلا بعد أن تعرّض للتدمير الجزئي في اليوم الثاني للتحذير الإسرائيلي لمدينة بعلبك. ترك شحادة منزله هو وعائلته المؤلفة من الزوجة وطفل لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، ولم يكن يعرف وجهته التالية.
وصل شحادة في البداية، وهو عسكري متقاعد، إلى محيط سراي زحلة، ومن هناك تم إرشاده إلى معهد الصناعات الغذائية في قب الياس، الذي استقبل حتى الساعة أكثر من 100 نازح من بعلبك وقراها وطريقها الدولي. "بثيابي خرجت مع عائلتي، حاولت البقاء في بلدتي قدر المستطاع، ولكن في اليومين الماضيين اتسعت رقعة الغارات وباتت تستهدف كل المنازل بشكل عشوائي، لذلك اضطررت للخروج، ولأن المنزل الذي لم يعد صالحاً للسكن بعد التدمير الجزئي".
فيما اختارت بقية عائلته وجهات مختلفة بعد خروجها من بعلبك، من بينها دير الأحمر، لكن لا تزال الخدمات المقدمة للنازحين في أماكن لجوئهم شحيحة، بسبب العدد الكبير الذي خرج دفعة واحدة.
أما أحمد مهدي، فلم يستطع التكيف أكثر مع أصوات الانفجارات التي كانت تقترب أكثر فأكثر من منزله في دورس، ما اضطره للخروج من منزله قاصداً قب الياس. لا تكفي عبارة الأسى لسرد التفاصيل الحياتية اليومية للنازحين، فأحمد يتلقى علاجاً فيزيائياً لرجله ويده على إثر حادث سير تعرض له في بعلبك حين كان يحاول الهروب من أحد الاستهدافات في الكيال، لكنه أجبر اليوم على توقيف علاجه بسبب ظروف الحرب.
تتشابه حكايا النازحين الجدد من بعلبك وطاريا وحربتا، ويتشاركون في النزوح بما على أجسامهم، حاملين أوراقهم ومقتنياتهم الأساسية فقط، ليس لأنهم لم يتمكنوا من ذلك بل لأن النزوح مكلف وإمكانيات معظمهم معدومة.
يُقدّر محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر عدد الذين خرجوا خلال الأيام الماضية من بعلبك على إثر الغارات العنيفة التي استهدفت المدينة بما يزيد على 45 ألفاً من أبناء بعلبك وعين بورضاي ودورس.
في لحظات، اكتظت مخارج بعلبك لجهة عرسال ونحلة ودير الأحمر بمئات السيارات. وحدها عرسال استقبلت نصف عدد النازحين، وبحسب رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري فقد سجلت البلدية تدفق أكثر من 200 عائلة توزعت بين المدارس الست ومركز وزارة الشؤون الاجتماعية. العدد الذي لجأ إلى عرسال يتضاعف عن أرقام البلدية، فالأغلبية اتجهت إلى منازل، ولا يمكن اعتبار رقم النزوح في مراكز الإيواء هو المقياس، لأن هذه المراكز لا تشكل سوى 25% من حجم النزوح في عرسال.
وحتى اليوم، لا تزال بعلبك تشهد محاولات لعودة النازحين إليها برغم المخاطر بسبب تعلقهم ببيوتهم وأرضهم، لكن مع تكرار التحذير الإسرائيلي الذي أعقبه مناشدة من المحافظ بشير خضر مُطالباً الأهالي بعدم العودة، عاد الأهالي أدراجهم إلى خارج بعلبك. وأصرّ الأهالي ألا ينزحوا إلى مناطق بعيدة عن منازلهم، بل بقوا ما بين بلدتي عرسال ودير الأحمر المُجاورتين.
ومنذ اللحظة الأولى للتحذير بالإخلاء، سارع محافظ البقاع القاضي كمال أبو جودة إلى تجهيز 6 مراكز إيواء جديدة ما بين أقضية زحلة والبقاع الغربي وراشيا، والتي قاربت الوصول إلى سعتها القصوى. فيما اختارت عشرات العائلات التي وصلت إلى البقاع الأوسط المكوث عند أقاربها، وفي بعض المنازل ولم تتجه إلى مراكز الإيواء. ومن المتوقع أن تزداد وتيرة النزوح مع القصف الهستيري والعنيف، حتى الجرافات وآليات رفع الأنقاض تحوّلت إلى أهداف عسكرية.
لا يألو المحافظ بشير خضر جهداً لتأمين الحد الأدنى من الحاجيات، وكذلك يساهم وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية في تسهيل انسياب بعض شاحنات الإغاثة، بالتعاون مع الهيئات الدولية والصليب الأحمر اللبناني والدولي.
تهجير بعلبك وإفراغها لا مثيل لهما على طول العقود الماضية، فالهمجية الإسرائيلية لم تستثن حتى قلعة بعلبك ومداخلها لجهة إيعات وثكنة غورو التي كان قد لجأ إليها بعض النازحين من المنازل، ولكن عادوا وتركوها بعد الاستهداف الإسرائيلي لمدخل القلعة.
43 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع