وقف إطلاق النار يسرع معركة ما بعد الحرب: المقاومة وتحديات عدة، منها إعادة الإعمار

 

في اللحظة التي تتوقف المعارك وتبدء مرحلة وقف إطلاق النار، تفتح المقاومة صفحة جديدة من التحديات التي لا تقل أهمية عن المواجهة العسكرية. فالمعركة التي ستواجهها تتجاوز ميادين القتال لتصل إلى ساحات إعادة الإعمار وبناء ما دمره العدو خلال الحرب في الحجر وأيضا في أسلوب تفكير البشر.

من أبرز هذه التحديات هي عودة النازحين إلى ديارهم، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وتعويض المواطنين عن خسائرهم، مع ضمان تسريع عمليات الإعمار التي ستكون أولوية قصوى لتحقيق الاستقرار. وفي ظل هذه الجهود، يبرز تحدٍ إضافي يتمثل في تجاوز العراقيل البيروقراطية التي قد تعيق العمل وتبطئ تحقيق النتائج المرجوة بشكل عمدي او غير عمدي.

هذه المرحلة تتطلب رؤية استراتيجية وإدارة فعالة لضمان ترجمة النتيجة العسكرية لفشل العدو في تحقيق أهدافه إلى إنجاز تنموي يعزز صمود الشعب وثقته بمستقبله وبالمقاومة.

فهل سيحصل وقف إطلاق النار في القريب العاجل؟ وما طبيعة المعركة بعده وماهي سبل مواجهتها؟ وكيف تستطيع المقاومة كسب هذه المعركة الجديدة؟

 

المقاومة تفرض واقع عسكري: العدو الصهيوني بين المكابرة والواقع الميداني

رغم التصريحات الإعلامية المتكررة التي تصدر عن قادة العدو الصهيوني، والتي تزعم إحراز تقدم في الحرب أو إلحاق خسائر بالمقاومة، إلا أن الواقع الميداني يكشف عكس ذلك تماماً. الحرب المستمرة أثبتت أن العدو الصهيوني يواجه تحديات استراتيجية غير مسبوقة، وأنه بات مضطراً إلى التفكير بجدية في وقف الحرب، رغم محاولاته إظهار العكس إعلامياً.

المقاومة تستعيد زمام المبادرة

الأيام الأخيرة شهدت تطوراً نوعياً واضحاً في أداء المقاومة، سواء من حيث العمليات أو النتائج على الأرض. فمع زيادة حجم الاستهدافات، تطور نوعية الصواريخ المستخدمة، وتوسيع مدى عملياتها، أصبحت المقاومة أكثر وضوحا بأنها لا زالت قادرة على كسر الخطوط الحمراء وتوسعت نقاط عملياتها كما ونوعا والتي حاول العدو الادعاء بأنه تمكن من الحد منها او القضاء على مقومات اتمامها. هذه التحولات جعلت المقاومة تمسك بزمام المبادرة، إذ انتقلت من حالة تلقي الضربات إلى حالة الدفاع بشكل استراتيجي مدروس لناحية استهداف العمق مع الحفاظ على نوعية الأهداف من خلال حصرها بالعسكرية منها وبعض المصانع والمنشآت وتحييد المدنيين من الاستهداف المباشر، حتى اللحظة.

قيادات غير معروفة: سر القوة الجديدة

من أبرز العوامل التي ساهمت في تعزيز قوة المقاومة خلال هذه الحرب هو الغموض المستجد الذي يحيط بهيكلها القيادي. فالقيادات الجديدة التي تتولى إدارة العمليات غير معروفة للعدو، مما أفقده القدرة على استهدافها أو التأثير على خططها. هذا الأمر أعطى المقاومة مرونة عالية في التحرك وتنفيذ خططها بعيداً عن الضغوط الاستخباراتية التي كان العدو يعتمد عليها في حروبه السابقة. حتى أن العدو لجأ الى عمليات استهداف واغتيال تحقق له غايات إعلامية ومعنوية لسد هذه الثغرة ومنها الاغتيال الأخير الذي طال مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله والذي أساسا لم يعتمد أي تكتيك تخفي وكان يتابع مهامه واتصالاته وغير ذلك.

التصدي البطولي وتكبيد العدو الخسائر

التصدي البطولي للمقاومة في كافة الجبهات كبّد العدو خسائر فادحة، سواء على مستوى الأفراد أو المعدات. هذه الخسائر تُعد عامل ضغط داخلي على القيادة الصهيونية، إذ تواجه انتقادات متزايدة من المجتمع الإسرائيلي الذي بدأ يفقد الثقة بقدرة قيادته على تحقيق أي نصر حاسم. علماً بأن أركان العدو دفعت بفرق النخبة لمحاولات التقدم مع غطاء ناري كثيف وبالرغم من ذلك فشل جيش العدو من التثبيت وكلها عمليات كر وفر. حتى أن استخدام بطاريات المدفعية وإدخال بعضها الى الأراضي اللبنانية فقد أوضحت المصادر بأنه في أماكن محدودة وبشكل أن حركتها مرنة في الدخول والخروج ولا تحتاج التحضير الذي يتوقعه البعض.

1701: القرار الذي لا يضر المقاومة

الحديث عن القرار 1701، الذي تم اعتماده بعد حرب تموز 2006، يعود مجدداً إلى الواجهة. وعلى الرغم من الضغوط الدولية التي قد تُمارس لتنفيذه بشكل أكثر حزماً، فإن المقاومة أثبتت خلال السنوات الماضية أن هذا القرار لا يحد من قدراتها أو يمنعها من تطوير إمكاناتها العسكرية لاسيما وأنها مقاومة وليست جيشاً نظامياً. بل على العكس، فإن المقاومة استخدمت فترة ما بعد 1701 لتعزيز ترسانتها الصاروخية وتطوير تكتيكاتها القتالية، مما جعلها أكثر استعداداً لهذه المواجهة الغير مسبوقة وهي مواجهة ضخمة وقاسية جدا على المقاومة باعتراف كل الناس سواءً من حيث المشاركين في السر والعلن وحجم القدرة النارية ونوعية الاستهدافات وكذلك اهداف العدو والدعم المادي والمعلوماتي والتسليحي له.

الخلاصة: العدو أمام خيارات محدودة

أمام هذه المعطيات، يبدو العدو الصهيوني في موقف لا يُحسد عليه. فالمكابرة الإعلامية لا تُخفي حقيقة التآكل الذي يتعرض له جيشه ومجتمعه. وكل يوم يمر دون وقف للحرب يفاقم من خسائره ويزيد من مأزقه. لاسيما مع ما يعنيه الشمال (في فلسطين المحتلة) للكيان الصهيوني اقتصاديا وصناعيا وزراعيا وغير ذلك ...  أما المقاومة، فقد أثبتت أنها ليست فقط قادرة على الصمود، بل على قلب السحر على الساحر وتحمل الصدمات القوة جدا وفرض واقع جديد يجعلها أقوى من أي وقت مضى وتحويل التهديد الى فرصة.

إن ما يجري اليوم هو شهادة جديدة على أن إرادة الشعوب الحرة لا تُهزم، وأن المقاومة، بتضحياتها وتطورها، قادرة على مواجهة أعتى الجيوش وإجباره على مراجعة حساباته، مهما طال الزمن.

التحديات الكبرى للمقاومة بعد الحرب: معركة البناء والاستقرار

عند انتهاء الحرب، تبدأ المقاومة مواجهة من نوع آخر، لا تقل صعوبة عن المعارك الميدانية: إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار. هذه المرحلة تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة المقاومة على تجاوز آثار الحرب وتلبية احتياجات الناس، وسط تحديات معقدة ومتعددة الأوجه.

أزمة النازحين وعودتهم

الحرب أجبرت آلاف العائلات على النزوح من منازلها وتجاوز العدد المليون ونيف من النازحين، مما خلق أوضاعاً إنسانية صعبة. عودة النازحين إلى مناطقهم بشكل سريع وآمن تُعد أولوية قصوى، وتتطلب إزالة الصواريخ الغير منفجرة وإعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية كالكهرباء والمياه والطرقات.

التعويضات للمتضررين و إعادة الإعمار بسرعة

 تعويض المواطنين عن خسائرهم يشكل تحدياً آخر، خاصة في ظل الحاجة إلى موارد مالية ضخمة وضمان توزيعها بعدالة وشفافية. دون هذه التعويضات، سيظل العديد من الأسر في حالة عجز عن استعادة حياتها الطبيعية.

الدمار الكبير في البنى التحتية والمنازل يتطلب خطة شاملة وسريعة لإعادة الإعمار. هذه العملية تحتاج إلى تسخير إمكانات الشركات المحلية والدولية، مع التركيز على تسريع العمل دون المساس بالجودة.

تجاوز العراقيل الحكومية

التجارب السابقة أظهرت أن البيروقراطية الحكومية قد تُعطل جهود الإعمار بشكل مقصود او غير مقصود، عبر فرض تعقيدات إدارية كالتراخيص أو تأخير الإجراءات. المطلوب هو آليات استثنائية تُسهّل العمل في المناطق المتضررة وضمان تعاون حكومي كامل.

وهنا من المفيد العمل منذ الآن على وضع آليات قانونية استثنائية تختصر الإجراءات الإدارية في المناطق المتضررة إضافة الى تشكيل لجان تنسيقية بين المقاومة والحكومة لضمان تذليل العقبات.

وعلى الحكومة التعاون الكامل مع جهود الإعمار وهذا أقل المتوقع منها.

 

الخلاصة
وقف إطلاق النار سيحصل عاجلاً أم آجلاً وكذلك معركة ما بعد الحرب والتي هي معركة بناء الثقة والاستقرار. النجاح في إعادة النازحين، تقديم التعويضات، وتسريع الإعمار يعتمد على تكاتف الجهود بين المقاومة، الشعب، والحكومة، وحيث يتوجب على الحكومة والجهات الرسمية وضع المصالح الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى من خلال تسهيل الإجراءات القانونية وحركة استيراد مواد البناء او المواد الأولية لتصنيع مواد بناء وغيرها من التسهيلات لإعادة البناء وترميم البنى التحتية والخدمات المتنوعة واتخاذ خطوات حاسمة لضمان إعادة الحياة والدورة الاقتصادية إلى المناطق المتضررة. وبطبيعة الحال هو تحدي للمقاومة ستسهر لاتمامه كما أنه هناك مسألة أخرى تتعلق بموضوع كيّ الوعي الذي عمل عليه العدو وسيستدعي اجراءات مضادة له لتفادي تبعاته ونتائجه التي ليس لها صوت صواريخ وقصف ولكن دمارها كبير اذا لم تتم معالجتها.

 

الدكـتور مـهـدي عبـد الكريم قـرعـونـي / رئـيس مـجمـوعـة الـبـازوريـة الإعـلامـيـة

 

 

Pin It