ينبع فشل الضغط العسكري الإسرائيلي سياسياً، من حقيقة تحاول القيادة الإسرائيلية القفز عنها، وتجيبها عن النقاش الإسرائيلي الداخلي، وهي أنّ هناك شعباً فلسطينياً تحت الاحتلال يسعى لتحقيق استقلاله.
مارست "إسرائيل" الضغط العسكري المهول على الشعب الفلسطيني في غزة ومقاومته وخصوصاً حركة حماس، وقد يكون تحت تأثير هذا الضغط العسكري الإسرائيلي، قرّرت المقاومة في غزة الانتقال من أسلوب القتال ضمن إطار المنظومات القتالية الواسعة على مستوى اللواء والكتيبة والسرية إلى المنظومة الخاصة بحرب العصابات على مستوى المجموعات والزمر والعمل الفردي، ولكنّ هذا التحوّل ليس معناه انكساراً أو انهياراً للمقاومة، فما زالت منظومة القيادة والسيطرة تقود العمليات العسكرية، وما زالت اللوجستيات العسكرية والإعلامية والأمنية فاعلة وحاضرة وتخدم كلّ المنظومة العسكرية، المرتبطة بالقرار السياسي للقيادة العليا للمقاومة.
لم يستطع الضغط العسكري الإسرائيلي حلّ معضلة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، ولم ينجح بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين أحياء إلا في ثلاث حالات فقط، بل على العكس كان سبباً مباشراً في قتل العديد منهم لدرجة أنّ القادة العسكريين في "الجيش" الإسرائيلي حذّروا المستوى السياسي من أنّ توسّع العمليات البرية في قطاع غزة يعرّض حياة الأسرى الإسرائيليين للموت.
أما على المستوى السياسي، فلم بخلق الضغط العسكري بديل سياسي وحكومي عن حركة حماس في غزة حتى بعد 11 شهراً من الحرب وحيل، بل ما زالت حكومة حماس في غزة فاعلة بشكل أو بآخر ضمن الظروف الأمنية والعسكرية الصعبة والمعقّدة في قطاع غزة، هذا أولاً.
ثانياً، فشل المخطط الإسرائيلي في إثارة وتأليب أهل غزة على حركة حماس كما كانت تهدف "إسرائيل" من خلال استهداف البنى المدنية والحياتية والصحية وغيرها التي جعلت حياة أهل غزة أقرب للجحيم، ورغم كلّ ذلك ما زال الشعب الفلسطيني في غزة صامداً على أرضه ويدرك أنّ الاحتلال الإسرائيلي هو من يتحمّل مسؤولية الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها يومياً الشعب الفلسطيني.
ينبع فشل الضغط العسكري الإسرائيلي سياسياً، من حقيقة تحاول القيادة الإسرائيلية القفز عنها، وتجيبها عن النقاش الإسرائيلي الداخلي، وهي أنّ هناك شعباً فلسطينياً تحت الاحتلال يسعى لتحقيق حريته واستقلاله ومن دون أن يكون هناك مسار سياسي حقيقي لتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة لن يكون هناك مناص أمام الشعب الفلسطيني إلا سبيل المقاومة.
في الأسابيع الأخيرة، وعند ازدياد الحديث عن هدنة وتبادل أسرى، ربط نتنياهو إبقاء الوجود العسكري الإسرائيلي على محور فيلادلفيا على الحدود المصرية الفلسطينية، باستراتيجية الضغط العسكري على المقاومة، متذرّعاً بأنّ هذا الوجود على محور فيلادلفيا يسهّل عملية الضغط العسكري على المقاومة من خلال قطع شريان تهريب السلاح لغزة كما يدّعي نتنياهو.
الحقيقة الأهم التي يحاول نتنياهو القفز عنها، كونها حدثت خلال فترة حكمه ويُعدّ المسؤول الأول عنها، وهي قدرة المقاومة الفلسطينية أن تصنع سلاحها بذاتها وبإمكاناتها المحلية بمساعدة ودعم من محور المقاومة، فالصاروخ الأول الذي قصف "تل أبيب" في حرب عام 2012 من قبل سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي من طراز فجر الإيراني، ولكن سرعان ما استطاع مهندسو المقاومة الفلسطينية صناعة صواريخها بمدياتها المختلفة، وصولاً إلى صناعة بنادق القنص طويلة المدى، وليس خافياً على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن السلاح الأبرز للمقاومة في خطتها الدفاعية لمواجهة سلاح المدرعات الإسرائيلي في حرب غزة، صاروخ "الياسين 105" المضاد للدروع والتحصّنات، هو سلاح فلسطيني بتصنيع غزاوي مئة بالمئة، لذلك حجة نتنياهو في البقاء على فيلادلفيا من أجل ممارسة الضغط العسكري، ما هي إلا أكذوبة يدركها قادة "الجيش" الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وإن وجود "الجيش" الإسرائيلي على ذلك المحور لن يغيّر من الواقع الاستراتيجي لإعادة القدرة التسليحية للمقاومة الفلسطينية لا أثناء الحرب ولا بعدها.
البعض في "إسرائيل" يعتقد أن خطة اليمين الإسرائيلي بقيادة ثلاثي الإرهاب (نتنياهو ـــــ بن غفيرـــــ سيموتريتش) هي احتلال قطاع غزة، وإقامة حكم عسكري فيه، الأمر الذي يفسّر تعنّت نتنياهو في عدم الموافقة على الانسحاب من محوري فيلادلفيا ونتساريم، كون الوجود الإسرائيلي هناك يسهّل عملية الضغط العسكري على الجغرافيا الغزية كافة، ولكنّ الواقع على الأرض يؤكّد أن حجم القوات الموجودة في غزة حالياً ليس بالمقدار الذي يسمح لـ "إسرائيل" باحتلال غزة بالكامل، والسيطرة عليها وإقامة حكم عسكري إسرائيلي فيها، فبحسب بعض التقديرات من قادة "الجيش" الإسرائيلي إنّ ذلك يحتاج تفريغ خمس فرق عسكرية كاملة بشكل دائم في غزة، والموجود الآن في غزة لا يزيد عن فرقتين في أقصى تقدير، والأهم أنّ احتدام المواجهة في جبهات المساندة وخاصة الجبهة الشمالية مع حزب الله، وانتقال جبهة الضفة الغربية من جبهة اشتباك إلى جبهة قتال، لدرجة أنّ حجم القوات الإسرائيلية فيها حالياً يفوق عدد القوات الموجودة في غزة.
ناهيك عن ضرورة إنشاء فرقة عسكرية إسرائيلية جديدة لحماية الحدود الأردنية، وإذا أضيفت لكلّ ذلك أزمة توفير الموارد البشرية داخل "الجيش" الإسرائيلي، والتي فجّرت أزمة تجنيد اليهود الحراديم، نصل إلى نتيجة مفادها أنّ قدرة "الجيش" على احتلال غزة غير متوفرة إلا على حساب أمن "إسرائيل" على جبهات المواجهة الأخرى، وأن الضغط العسكري الذي يدعو إليه نتنياهو لا يخدم إلا مصلحة نتنياهو السياسية والشخصية، الأمر الذي بات غالبية الشارع الإسرائيلي مقتنعاً به، لذلك غيورا إيلاند رئيس قسم العمليات السابق في "الجيش" الإسرائيلي قال إنّ نتنياهو يقول: "سيستمرّ بالضغط العسكري وفي النهاية ستنكسر حماس"، وأضاف "هذا الكلام ليس له علاقة بالواقع".
كل من حلل الأداء الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، يكتشف - على مدى تعاقب الإدارات الأميركية بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي - أن هذه السياسة يحكمها ما يمكن أن نطلق عليه الثابت والمتحول.
طوال عشرة شهور أو يزيد - منذ أن تفجرت معركة طوفان الأقصى - تابعت كغيري من المصريين والعرب المناقشات والسجالات والتحليلات المقدمة والمعروضة عبر شاشات التلفزة العربية وبعض الأجنبية بشأن كل ما يجري في غزة، وحرب الإبادة التي تمارسها القوات الجوية والمدفعية الإسرائيلية طوال أكثر من ثلاثمئة يوم ضد الشعب الفلسطيني في غزة (ضد المدنيين الأبرياء)، وسقوط عشرات الآلاف من النساء والأطفال والرجال والشيوخ والشبان بين شهيد وجريح، وسط صمت غربي فاضح وفاجر، وضعف وتواطؤ من بعض الدول والحكومات العربية.
وسط كل هذه المذابح اليومية، نشأت ستائر دخان في الساحتين السياسية والدبلوماسية، إقليمياً ودولياً، قادتها الولايات المتحدة الأميركية وبعض الأطراف الغربية المتواطئة والمشاركة في هذه المذابح، وفي مقدمتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وكثير من دول التحالف الغربي الاستعماري.
والحقيقة أن هذه الستائر الدخانية استدعتها حقيقتان جوهريتان:
الأولى: حجم المذابح والضحايا الفلسطينيين في غزة، على نحو لم يسبق للمجتمعات البشرية الحديثة أن عاشت مثله على الإطلاق، وبسببها تحركت ملايين الشباب والمواطنين في كل دول العالم - وفي هذه الدول تحديداً - ضد هذه المذابح، والضغط على حكوماتها ونخبها السياسية والفكرية لإدانة هذه الجرائم.
الثانية: حجم البطولة والاستبسال لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وفي طليعتها كتائب القسام وسرايا القدس وسائر الفصائل والمجموعات المسلحة، على نحو أدى عملياً إلى فشل هذا "الجيش" الإسرائيلي، المدجَّج بكل أنواع الأسلحة وأحدثها، في تحقيق أهدافه السياسية المعلنة من حرب الإبادة تلك، وخصوصاً أهداف: تفكيك وجود فصائل المقاومة المسلحة وإنهائها - وعلى رأسها "حماس" - سياسياً وعسكرياً وإدارياً، وقتل كل قيادات هذه الفصائل المقاومة، وأخيراً استرداد الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة وفي أنفاقها.
وباستثناء الهدف غير المعلن – والمخطَّط مسبّقاً – بشأن تدمير غزة تماماً وإبادة شعبها، وتحويلها إلى منطقة غير صالحة للحياة تماماً، تمهيداً لعمليات تهجير قسري لسكانها، واحتلالها من جديد ونشر المستوطنات اليهودية الصهيونية فيها، فإن هذا "الجيش" أثبت عجزه وفشله، في مقابل صمود أسطوري لشبان المقاومة وشعبها، على نحو من المؤكد أنه سيُضرَب به المثل والقدوة في التاريخ الحديث للشعوب.
ووسط غبار المعارك الحربية وركامها نشأت معركة أو معارك سياسية ودبلوماسية لا تقل أبداً في تأثيرها ومناوراتها وألاعيبها وأكاذيبها عما يجري في ساحات الميدان العسكري والحروب.
الغريب والمدهش هنا هو الشكل والنوع للتناول الإعلامي العربي – وغير العربي – لهذه المعركة الدبلوماسية الكبرى، التي أدارتها الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين، والاستغراق اليومي في تحليل كل تصريح وكل بيان أو خطاب سياسي يلقيه هذا المسؤول الأميركي أو ذاك، بدءاً بالرئيس الأميركي، صهيوني العقيدة والمزاج، جو بايدن، مروراً بوزير خارجيته الفخور بيهوديته وصهيونيته، انتهاءً بمستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، يهودي الديانة والمتحالف مع "إسرائيل"، وقس على ذلك سائر الطاقم المعاون لهم (جون كيربي – ماجوريك – أرثر مايلر... إلخ). وكلهم، من دون استثناء واحد، مؤيدون بتعصب لـ"إسرائيل" ومشروعها العدواني في المنطقة العربية.
هنا سقطت من الوعي التحليلي العربي - سواء من المحللين عبر الشاشات العربية، أو العاملين في الحقلين الدبلوماسي والسياسي العربيين - التجربة التاريخية العربية الطويلة مع السياسات الأميركية في المنطقة، منذ نشأة هذا الكيان الإسرائيلي عام 1948 حتى اليوم، والدروس المستفادة منها من تجاربنا مع الدبلوماسية الأميركية، بدءاً بالرئيس الأميركي ترومان، مروراً بالرئيس دوايت آيزنهاور، في مطلع الخمسينيات، ووزير خارجيته جون فوستر دالاس، انتقالاً إلى الرئيس جون كينيدي ووزير خارجيته دين راسك، في مطلع الستينيات، وصولاً إلى وزيرَي الخارجية الأشهرين في عهدَي الرئيسين نيكسون وفورد، وهما وليم روجرز وهنري كسينجر، وانتهاءً بالرئيس اليميني العنصري المتعصب، دونالد ترامب، ووزير خارجيته بومبيو. وها نحن الآن مع الرئيس الصهيوني جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن.
ولم يخرج كثيراً عن هذا الخط المتشدد في انحيازه إلى "إسرائيل" سوى قلة قليلة من الرؤساء ووزراء خارجيتهم، من أمثال جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر، والرئيس بيل كلينتون ووزير خارجيته وليم كريستوفر.
وكما قال علماء الإنثروبولوجيا – أو علم سلالات الإنسان – فإن ما يميز الإنسان من غيره من الكائنات هو "الذاكرة" والاستفادة من التجارب السابقة.
وكل من حلل الأداء الأميركي، سياسياً ودبلوماسياً، في منطقة الشرق العربي أو الشرق الأوسط، يكتشف، في منتهي السهولة واليسر - على مدى تعاقب الإدارات الأميركية بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي - أن هذه السياسة يحكمها ما يمكن أن نطلق عليه الثابت والمتحول.
الثابت في السلوك التفاوضي الأميركي، سياسياً ودبلوماسياً، وقت الأزمات في المنطقة، التي تكون "إسرائيل" طرفاً رئيساً فيها (أعوام 1956 – 1967 – 1973 – 1982 - 2006 - 2024) والمتابعة الدقيقة لهذا السلوك وكذلك من واقع ما جاء في المؤلفات والمذكرات لبعض هؤلاء المسؤولين الأميركيين، وأبرزهم الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته الأشهر هنري كسينجر، ووزير الخارجية جيمس بيكر، وأحيانا مذكرات بعض الرؤساء والقادة العرب، بكل ما يختلط فيها غالباً، عبر خلط الحقائق بالأكاذيب، وكذا بعض كبار الكتاب والصحافيين، من أمثال الأميركي بوب ودوورد، وجوزيف ترنتو، والكاتب المصري المرموق محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وآخرين. فالثابت هو التالي:
أولاً: العمل في أقصى سرعة على التفتيت والتقسيم لمواقف الأطراف العربية المناوئة لـ"إسرائيل"، أو المقابلة لها في الأزمة، سواء عبر استخدام وسائل الدس والوقيعة، أو استغلال الخلافات والتناقضات والتنافسات بين القادة العرب.
ثانياً: توفير مظلة حماية سياسية ودبلوماسية لـ"إسرائيل" في المحافل الدولية ومجلس الأمن الدولي.
ثالثاً: إلقاء اللوم مباشرة ومن دون تردد – حتى لو عبر اختلاق الأكاذيب – على الجانب المعادي لـ"إسرائيل"، سواء أكان دولاً وحكومات، أم حركات مقاومة وتحرر وطني (منظمة التحرير الفلسطينية – حماس – حزب الله... إلخ).
رابعاً: استخدام أساليب المراوغة والتلاعب من أجل إطالة عمر الأزمة، ما دام ذلك في مصلحة "إسرائيل" وقواتها العسكرية، أو الدعوة السريعة إلى عقد اجتماع عاجل في مجلس الأمن لوقف الحرب إذا كانت تسير في غير مصلحة الكيان الإسرائيلي (حرب تموز/يوليو 2006 ضد لبنان).
خامساً: إبعاد الأطراف الدولية الأخرى، وخصوصاً الاتحاد السوفياتي - أو روسيا حالياً – عن مسرح التأثير والفعّالية في الأحداث الجارية والانفراد الأميركي بها.
سادساً: العمل على استقطاب بعض الحكومات العربية إلى الموقف الأميركي، إمّا عبر الحياد في الأزمة، وإمّا عبر تبني الموقف الأميركي المتحالف مع "إسرائيل"، وهو ما تكرر في كل الأزمات المشار إليها.
سابعاً: التفرع أو الهروب من القضايا الكلية للصراع والأزمة إلى القضايا الفرعية والجزئية، مثل إمداد الجيش الثالث المصري المحاصَر في سيناء – وقتئذ – ومسائل فض اشتباك القوات، تماماً كما يجري حالياً في موضوع محور صلاح الدين أو فيلادلفيا، عبر ما يسمى سياسة الخطوة خطوة أو المراحل وإجراءات بناء الثقة Confidential Measures.
يسهل فهم الآليات والأساليب للعمل الأميركي، سياسياً ودبلوماسياً، في منطقتنا، بشأن عدم الوقوع في شَرَك التدافع التحليلي وراء المواقف والتصريحات الأميركية في أثناء الأزمة، فنتوقف عن ترداد تلك الجمل والعبارات غير ذات المعنى في وصف السلوك الأميركي تجاه "إسرائيل" من قبيل "التردد الأميركي – ضعف الإدارة الأميركية – عدم القدرة على الضغط – سيطرة اللوبي اليهودي على القرار الأميركي، وغيرها كثير"، والذي يكشف قصور الفهم التحليلي الدقيق لبنية النظام السياسي الأميركي من ناحية، وطبيعة العلاقة البنيوية بين هذا الكيان العنصري الاستيطاني ودول الغرب الاستعماري وحكوماته (وفي طليعته الولايات المتحدة)، من ناحية أخرى.
إذا راجعنا الأسلوب التفاوضي الأميركي، في أبرز محطات الصراع العربي – الصهيوني وأهمها، فسوف نكتشف حقائق الثابت والمتحول في هذا السلوك الأميركي.
دعونا نتأمل معاً السلوك التفاوضي الأميركي في أثناء حرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، وبعدها الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وفي أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/يوليو 2006، ونقارنه بالسلوك السياسي الأميركي الراهن في حرب الإبادة، التي تقوم بها "إسرائيل"، مدعومةً بالتحالف الغربي الاستعماري – باستثناء دول وحكومات قليلة، مثل إسبانيا وآيرلندا والنرويج وسلوفينيا – في قطاع غزة والضفة الغربية.
فإذا توقفنا عند سلوك وزير الخارجية الأميركي الأشهر، هنري كسينجر، يهودي الديانة، وصهيوني العقيدة السياسية، فإننا نجده، منذ اللحظة الأولى لأزمة حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بنى خطته التفاوضية مع الأطراف العربية على مجموعة من الركائز والأساليب، أهمها:
1- التفتيت والتقسيم للموقف المصري السوري الموحد في أثناء الحرب، وزرع بذور الشقاق والشكوك بين الطرفين.
2- ساعده على ذلك، منذ اللحظة الأولى، السلوك والاتجاهات للرئيس المصري، أنور السادات، الذي بدا متلهفاً ومندفعاً – من دون روية أو صبر- إلى الالتحاق بالمركب الأميركي، والتخلص من الإرث الاشتراكي والناصري والتحالف مع الاتحاد السوفياتي. وهنا نجد عشرات المصادر، التي كشفت سلوك السادات واتجاهاته، وإعلانه المبكّر أن 99% من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط في يد الولايات المتحدة، بما في ذلك مذكراته "البحث عن الذات"، والصادرة عام 1978، ناهيك بمذكرات الوزير هنري كسينجر، الحافلة بالوقائع والتفاصيل الخطيرة، مثل "سنوات التجديد" و"درب السلام الصعب" و"مذكرات هنري كسينجر"، في جزأين، ناهيك بمؤلفات الأستاذ محمد حسنين هيكل الحافلة بالوقائع والأسرار والوثائق، "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل"، ثلاثة أجزاء، و"أكتوبر 73.. السلاح والسياسة" وكتابه "خريف الغضب"، وغيرها كثير.
3-حرص وزير الخارجية الأميركي على استخدام أساليب المراوغة والتدليس على المفاوضين العرب، وخصوصاً المصريين، من أجل تحقيق الأهداف الإسرائيلية بشأن الحرب، أو على الأقل عدم خسارتها لهذه الحرب، والخروج بمفاوضات "سلام"، سواء سرية أو علنية، بين مصر و"إسرائيل" من خلال خطوات جزئية تبدأ بفك اشتباك القوات، وتستمر سرية حتى زيارة السادات للقدس المحتلة، في تشرين الثاني/نوفمبر 1977، وتنتهي باتفاقيتي: كامب ديفيد في أيلول/سبتمبر 1978، واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في آذار/مارس 1979.
4- حرص هنري كسينجر على إبعاد القوة العظمي الثانية (الاتحاد السوفياتي) عن التأثير في المفاوضات الجارية مع مصر - على الأقل - وهو ما كان يجد ترحيباً من أطراف عربية خليجية محافظة، فسهل على الرجل تقسيم الموقف العربي، الذي بدا موحَّدا في أثناء الحرب، وتُوِّج باستخدام النفط في المعركة، للمرة الأولى وللمرة الأخيرة، في التاريخ العربي الحديث. والمثير للدهشة أن الرئيس المصري، أنور السادات، كان الأكثر حماسةً وتأييداً لفك الحصار النفطي، الذي اتخذته الدول العربية ضد الولايات المتحدة وهولندا والدول الغربية المؤيدة لـ"إسرائيل"، وذهب إلى حد الضغط بنفسه على الملك فيصل من أجل فك هذا الحصار النفطي.
5- عبر سياسة الخطوة خطوة Step By Step، وما أطلق عليه إجراءات بناء الثقة Confidential Measures وسياسة المراحل Stages، جرت أكبر عملية سياسية واستخبارية لاختراق المنطقة العربية وكشفها استراتيجياً بعد خروج الرئيس المصري أنور السادات من خط الصراع والمواجهة مع المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية، وبدأت مرحلة جديدة وخطيرة في العالم العربي، جسّدتها كلمتان رُفعتا في العواصم العربية، واحدة بعد الأخرى، وهي: مصر أولاً – الأردن أولاً – تونس أولاً – الكويت أولاً... إلخ؛ فأوصلت المنطقة العربية إلى ما نحن فيه من انهيار شامل، سياسياً واستراتيجياً.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يؤكّد استعداد بلاده للعودة إلى مبادئ إسطنبول بشأن التسوية الأوكرانية، ولكن مع الأخذ في الاعتبار الحقائق الجديدة، مضيفاً أنّ على "فولوديمير زيلينسكي أن يلغي المرسوم الذي يحظر المفاوضات على الأقل".
أكّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، أن بلاده "مستعدة للعودة إلى مبادئ إسطنبول بشأن التسوية الأوكرانية مع أخذ الحقائق الجديدة بعين الاعتبار".
وقال لافروف في مقابلة مع صحيفة "إر بي كا" الروسية إنّ "هذه المبادئ لا تزال قائمة اليوم"، مشيراً إلى أنّ الرئيس فلاديمير بوتين "قال أكثر من مرة إنّهم إذا كانوا يريدون المفاوضات، فعلى فولوديمير زيلينسكي أن يلغي المرسوم الذي يحظرها على الأقل".
وجرت المفاوضات الأولى بين روسيا وأوكرانيا مطلع آذار/مارس 2022 في بيلاروسيا بعد بدء العملية العسكرية الخاصة، لكنّها لم تسفر عن نتائج ملموسة.
وفي 29 آذار/مارس 2022، عُقدت الجولة التالية في إسطنبول، عندما تلقت موسكو لأول مرة من كييف مبادئ اتفاق مستقبلي محتمل مسجل على الورق.
وتضمن الاتفاق التزامات بشأن الوضع المحايد وعدم الانحياز وعدم نشر أسلحة عسكرية أجنبية، بما في ذلك الأسلحة النووية، على أراضيها.
وفي إثر ذلك، تم سحب القوات الروسية من محوري كييف وتشرنيغوف، لكن بعد ذلك تم تجميد المفاوضات بشأن التسوية بالكامل.
وسبق أن أشارت موسكو مراراً إلى أنها مستعدة للمفاوضات، لكن كييف فرضت حظراً على الدخول في عملية تفاوض مع موسكو على المستوى التشريعي.
وأكّد بوتين، في وقت سابق، أنّ روسيا لم ترفض قط مفاوضات السلام مع أوكرانيا التي أعلنت علناً انسحابها من عملية التفاوض.
وطنية - صدر عن المكتب الاعلامي للحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة البيان الآتي:
"مع تفهمنا التام للاهتمام البالغ للرأي العام بقضية احتجاز الحاكم السابق لمصرف لبنان بقرار من حضرة النائب العام التمييزي يهمنا ايضاح ما يلي:
1-تفرض المادة 53 من قانون أصول المحاكمات الجزائية موجب سرية التحقيق وتعاقب كل من يفشي أية معلومة عن التحقيق بعقوبة الحبس لمدة سنة إضافة الى الغرامة.
ان الدفاع عن الحاكم السابق لمصرف لبنان ملتزم هذه المادة ويتمنى التزام الجميع بها حفاظاً على موضوعية التحقيق.
2-ان الحاكم السابق لمصرف لبنان قبل وبعد انتهائه من مهامه الرسمية تعاون بكل موضوعية في أكثر من 20 ملاحقة جزائية في بيروت وجبل لبنان، طالما ان تلك الملاحقات التزمت قانون أصول المحاكمات الجزائية وبموضوعية وحيادية الجهات المسؤولة عنها. وهو مستمر بهذا التعاون بعد احتجازه من النائب العام التمييزي كما كانت الحال قبل هذا الاحتجاز.
3- نذكر بأن قانون أصول المحاكمات الجزائية يقرّ بحقّين: الاول هو الحق بالصمت دون أن يكون الصمت قرينة ضد المحقّق معه (المادة 77 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، كما يقرّ بقرينة البراءة طالما لم يصدر حكم مبرم بالإدانة (الفقرة 2 من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966
الحجار رفض طلب غادة عون التحقيق معه في ملفات مالية
وطنية – كتبت صحيفة "الشرق الأوسط": تسلّم قاضي التحقيق الأول في بيروت، بلال حلاوي، ملفّ حاكم «مصرف لبنان» السابق، رياض سلامة، وادعاء النيابة العامة المالية ضدّه بجرائم «اختلاس أموال عامة، وتبييض أموال، والإثراء غير المشروع»، وباشر درسه على الفور، وقرر استجوابه يوم الاثنين المقبل في هذا الملفّ، مع استمرار توقيفه على ذمة التحقيق.
وأكدت مصادر في «قصر العدل» لـ«الشرق الأوسط» أن «أحد وكلاء الدفاع عن سلامة قابل قاضي التحقيق وأُبلغ منه موعد الجلسة، حتى يتمكّن محامو الدفاع من حضور جلسة الاستجواب وتقديم المساعدة القانونية التي يحتاجها موكلهم»، لافتة إلى أن «استجواب سلامة في هذا الملفّ قد يستغرق أكثر من جلسة، وربما يستعين القضاء بخبراء ماليين لاستيضاح بعض الأمور الواردة في تقرير هيئة التحقيق الخاصة، الذي كان السبب المباشر لتوقيف الحاكم السابق».
مسار طويل
ورغم الادعاء على سلامة وإحالته إلى قاضي التحقيق، فإن النائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، يستمرّ في عقد جلسات التحقيق في الملفات المالية، سواء في «مصرف لبنان» وبعض المصارف التجارية. وأفاد مصدر قضائي بأن «توقيف سلامة ليس نهاية المطاف في القضايا المالية؛ بل هو محطة في مسار طويل». وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «كلما وضع الحجار يده على أدلة جديدة واختلاسات طالت أموال البنك المركزي أو أموال المودعين، فسيسارع إلى توقيف المتورطين، فإما يلحقهم بملفّ سلامة إذا كان هناك تلازم، وإما يؤسس ملفاً مستقلاً ويتخذ بشأنه الإجراءات المناسبة».
وقبل بدء التحقيق الاستنطاقي، سارعت رئيسة «هيئة القضايا» في وزارة العدل، القاضية هيلانة إسكندر، بصفتها ممثلة للدولة اللبنانية، إلى الادعاء على سلامة أمام قاضي التحقيق الأول بلال حلاوي، وأسندت إليه الجرائم نفسها التي وردت في ادعاء النيابة العامة المالية. ورجّح مصدر في وزارة العدل أن تحضر القاضية هيلانة إسكندر جلسات استجواب الحاكم السابق أمام القاضي حلاوي، مشدداً على أن «مواكبة القاضية إسكندر الجلسات أمر مهم للغاية، خصوصاً أنها حضرت سائر جلسات الاستجواب التي خضع لها سلامة في الملفّ القضائي السابق، سواء أمام قاضي التحقيق شربل أبو سمرا (أحيل إلى التقاعد) وأمام الوفود القضائية الأوروبية، ولديها إحاطة كاملة بالشبهات التي يلاحق سلامة على أساسها».
طلب القاضية غادة عون
من جهتها، حددت المدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون، يوم الأربعاء المقبل، موعداً لاستجواب سلامة في 3 ملفات مالية عالقة أمامها، رغم أن تعميم النائب العام التمييزي القاضي بكفّ يد القاضية، المقربة من الرئيس السابق ميشال عون، عن النظر في الملفات المالية والمصرفية، لا يزال ساري المفعول.
وحضرت القاضية عون شخصياً إلى دائرة النيابة العامة التمييزية وأودعت كتاباً موجهاً من قبلها إلى القاضي الحجار، طلبت بموجبه تمكينها من التحقيق مع الحاكم السابق. وقالت في نصّ الكتاب: «كان قد تم توقيف رياض سلامة من قبلكم، وهناك ملفات مفتوحة أمامنا قد يكون للمدعى عليه علاقة بها، مما يستدعي استجوابه بها».
وكشفت عون أن سلامة «ملاحق في دعوى مقامة ضد عدد من المصارف هي: (بنك مصر) و(الموارد) و(عودة) و(إنتركونتيننتال) و(البنك اللبناني للتجارة)، بالاستناد إلى التحويلات الحاصلة من الحساب الاستشاري في (مصرف لبنان) إلى (مجهول) بواسطة هذه المصارف، وقد فتح التحقيق بهذا الملفّ في الثالث من حزيران (يونيو) 2024، المتفرع عن ملفّ شركة (أوبتيموم)». وأشارت إلى أن الملف الثاني «عائد إلى شركة (أوبتيموم) (للوساطة المالية التي كانت تعمل داخل مصرف لبنان)، الذي تأسس في 12 أيلول (سبتمبر) 2023، وهناك ادعاء باختلاس 8 مليارات دولار من حسابات (مصرف لبنان). أما الملف الثالث، فمرتبط بالقروض الممنوحة من رياض سلامة إلى بعض المصارف، والبالغة قيمتها حوالي 8 ملايين دولار في أوج الأزمة المالية».
وخلصت المدعية العامة في جبل لبنان إلى الطلب من القاضي الحجار «تكليف قسم المباحث الجنائية المركزية بإحضار سلامة إلى مكتبها في قصر العدل نهار الأربعاء في 11 أيلول الحالي، مع الاستعداد للانتقال إلى مكان توقيفه في السجن في حال وجود دواعٍ أمنية».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن القاضي الحجار «سارع إلى رفض طلب القاضية عون، وذلك انسجاماً مع القرار الذي اتخذه سابقاً بكفّ يدها عن الملفات المهمة؛ بما فيها ملفات المصارف».
197 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع